فصل: سورة الإخلاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.سورة النصر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)}
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله والفتح} يعني بالفتح فتح مكة والطائف وغيرهما من البلاد التي فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس: إن النصر صلح الحديبية، والفتح فتح مكة، وقيل: النصر إسلام أهل اليمن، والإخبار بذلك كله قبل وقوعه إخباره بغيب، فهو من أعلام النبوّة {وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجاً} أي جماعات، وذلك أنه أسلم بعد فتح مكة بشر كثير، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه في فتح مكة عشرة آلاف، وكان معه في غزوة تبوك سبعون ألفاً وقال أبو عمر بن عبد البر: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي العرب رجل كافر. وقد قيل: إن عدد المسلمين عند متوه مائة ألف وأربعة عشر ألفاً بل أكثر {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واستغفره} قد ذكر التسبيح والاستغفار ومعنى بحمد ربك فيما تقدم، فإن قيل: لم أمره الله بالتسبيح والحمد والاستغفار عند رؤية النصر والفتح، وعند اقتراب أجله؟ فالجواب: أنه أمر بالتسبيح والحمد ليكون شكراً على النصر والفتح وظهور الإسلام وأمره بذلك وبالاستغفار عند اقتراب أجله ليكون ذلك زاداً للآخرة وعدة للقاء الله.

.سورة المسد:

.تفسير الآيات (1- 5):

{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}
{تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} معنى تبت خسرت والتباب هو: الخسران، وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم وهو عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من أشد الناس عداوة له. فإن قيل: لم ذكره الله بكنيته دون اسمه؟ فالجواب: من ثلاثة أوجه أحدها: أن كنيته كانت أغلب عليه من اسمه كأبي بكر وغيره ويقال: أنه كُني بأبي لهب لتلهب وجهه جمالاً. الثاني: أنه لما كان اسمه عبد العزى عدل عنه إلى الكنية. الثالث: أنه لما كان من أهل النار واللهب، كنَّها أبا لهب وليناسب ذلك قوله: سيصلى ناراً ذات لهب.
{مَآ أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} يحتمل أن تكون ما نافية أو استفهامية يراد بها النفي، وماله: وهو رأس ماله وما كسب: الربح أو ماله: ما ورث، وما كسب: هو ما اكتسبه لنفسه، وقيل: جميع ماله وما كسب {سيصلى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} هذا حتم عليه بدخول النار ومات بعد ذلك كافراً {وامرأته حَمَّالَةَ الحطب} اسم امرأته أم جميل بنت حرب بن أمية وهي أخت أبي سفيان، وفي وصفها بحمالة الحطب أربعة أقوال. أحدها: أنها تحمل حطباً وشوكاً فتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: أن ذلك عبارة عن مشيها بالنميمة يقال: فلان يحمل الحطب بين الناس أي: يوقد بينهم نار العداوة بالنمائم. الثالث: أنه عبارة عن سعيها بالمضرة على المسلمين يقال: فلان يحطِب على فلان إذا قصد الإضرار به. الرابع: أنه عبارة عن ذنوبها وسوء أعمالها {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} الجِيد: العنق والمسَد الليف، وقيل: الحبل المفتول، وفي المراد به ثلاثة أقوال: الأول: أنه إخبار عن حملها الحطب في الدنيا على القول الأول، وفي ذلك تحقير لها وإظهار لخساسة حالها. والآخر: أنه حالها في جنهم يكون كذلك أي يكون في عنقها حبل. الثالث: أنها كانت قلادة فاخرة، فقالت لأنفقنها على عداوة محمد، فأخبر عن قلادتها بحبل المسد على جهة التفاؤل والذم لها بتبرجها، ويحتمل قوله: وامرأته وما بعده وجوها من الإعراب يختلف الوقف باختلافها وهي: أن يكون امرأته وحمالة الحطب خبره، أو يكون حمالةَ الحطب نعت والخبر: في جيدها حبل من مسد أو يكون امرأته معطوفاً على الضمير في يصلى وحمالة الحطب نعت، أو خبر ابتداء مضمر.

.سورة الإخلاص:

.تفسير الآيات (1- 4):

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}
واختلف في معنى قوله صلى الله عليه سلم: «{قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن» فقيل: إن ذلك في الثواب، أي لمن قرأها من الأجر مثل أجر من قرأ ثلث القرآن، وقيل: إن ذلك فيما تضمنته من المعاني والعلوم؛ وذلك أن علوم القرِآن ثلاثة: توحيد وأحكام وقصص، وقد اشتملت هذه السورة على التوحيد فهي ثلث القرآن بهذا الاعتبار، وهذا أظهر وعليه حمل ابن عطية الحديث. ويؤيده أن بعض روايات الحديث: «إن الله جزأ القرآن ثلاثةأجزاء، فجعل قل هو الله أحد جزءاً من أجزاء القرآن» وأخرج النسائي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرؤها فقال: أما هذا فقد غفر له» وفي رواية أنه قال: «وجبت له الجنة»، وأخرج مسلم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في الصلاة {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله يحبه» وفي رواية خرّجها الترمذي «أنه صلى الله عليه وسلم قال للرجل: حبك إياها أدخلك الجنة» وحرّج الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} مائة مرة كل يوم غفرت له ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين.
{قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} الضمير هنا عند البصريين ضمير الأمر والشأن والذي يراد به التعظيم والتفخيم، وإعرابه مبتدأ وخبره الجملة التي بعده وهي المفسرة له، والله مبتدأ وأحد خبره. وقيل: الله هو الخبر وأحد بدل منه وقيل: الله بدل وأحد هو الخبر. وأحد له معنيان أحدهما أن يكون من أسماء النفي التي لا تقع إلا في غير الواجب كقولك: ما جاءني أحد وليس هذا موضع هذا المعنى وإنما موضعه قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} والآخر أن يكون بمعنى واحد وأصله واحد بواو ثم أبدل من الواو همزة وهذا هو المراد هنا.
واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى. الأول: أنه واحد لا ثاني معه فهو نفي للعدد. والثاني: أنه واحد لا نظير ولا شريك له كما تقول: فلان واحد عصره أي لا نظير له. والثالث: أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعض، والأظهر أن المراد في السورة نفي الشريك لقصد الرد على المشركين ومنه قوله تعالى: {وإلهكم إله وَاحِدٌ} [البقرة: 163] قال الزمخشري: أحد وصفُ بالوحدانية ونفي الشركاء.
قلت: وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته وذلك في القرآن كثيراً جداً أوضحها أربعة براهين: الأول قوله: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} [النحل: 17] لأنه أذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات لم يمكن أن يكون واحد منها شريكاً له، والثاني قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] والثالث قوله: {قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً} [الإسراء: 42] والرابع قوله: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} [المؤمنون: 91] وقد فسرنا هذه الآيات في مواضعها وتكلمنا على حقيقة التوحيد في قوله: {وإلهكم إله وَاحِدٌ} [البقرة: 163].
{الله الصمد} في معنى الصمد ثلاثة أقوال: أحدها: أن الصمد الذي يُصمَد إليه في الأمور أي يلجأ إليه. والآخر: أنه لا يأكل ولا يشرب فهو كقوله: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} [الأنعام: 14] والثالث: أنه الذي لا جوف له، والأول هو المراد هنا على الأظهر، ورجحه ابن عطية بأن الله موجد الموجودات وبه قوامها، فهي مفتقرة إليه إي تصمد إليه إذ لا تقوم بأنفسها. ورجّحه شيخنا الأستاذ أبو جعفر بن الزبير لورود معناه في القرآن حيثما ورد نفي الولد عن الله تعالى كقوله في مريم «وقالوا اتخذ الله ولداً» ثم أعقبه بقوله: {إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْداً} [مريم: 93] وقوله: {بَدِيعُ السماوات والأرض أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} [الأنعام: 101] وقوله: {وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَداً سبحانه بَل لَّهُ مَا فِي السماوات والأرض} [البقرة: 116] وكذلك هنا ذكره مع قوله لم يلد فيكون برهاناً على نفي الولد، قال الزمخشري: صمد فَعَل بمعنى مفعول لأنه مصمود إليه في الحوائج.
{لَمْ يَلِدْ}. هذا ردّ على كل من جعل لله ولداً فمنهم النصارى في قولهم: {عيسى ابن الله} واليهود في قولهم: {عزيز ابن الله} والعرب في قولهم: الملائكة بنات الله وقد أقام الله البراهين في القرآن على نفي الولد، وأوضحها أربعة أقوال: الأول: أن الولد لابد أن يكون من جنس والده. والله تعالى ليس له جنس فلا يمكن أن يكون له ولد وإليه الإشارة بقوله تعالى: {مَّا المسيح ابن مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطعام} [المائدة: 75] فوصفهما بصفة الحدوث لينفي عنهما صفة القدم فتبطل مقالة الكفار. والثاني: أن الوالد إنما يتخذ ولداً للحاجة إليه، والله لا يفتقر إلى شيء فلا يتخذ ولداً وإلى هذا أشار بقوله: {قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الغني} [يونس: 68] الثالث: أن جميع الخلق عباد الله والعبودية تنافي النبوة وإلى هذا أشار بقوله تعالى: {إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْداً}
[مريم: 93] الرابع أنه لا يكون له ولد إلا لمن له زوجة، والله تعالى لم يتخذ زوجة فلا يكون له ولد وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: {أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صاحبة} [الأنعام: 101].
{وَلَمْ يُولَدْ} هذا رد عل الذين قالوا: أنسب لنا ربك، وذلك أن كل مولود محدث، والله تعالى هو الأول الذي لا افتتاح لوجوده، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره، فلا يمكن أن يكون مولوداً تعالى عن ذلك.
{وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} الكفؤ هو النظير والمماثل قال الزمخشري: يجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح، فيكون نفياً للصاحبة. وهذا بعيد والأول هو الصحيح ومعناه أن الله ليس له نظير ولا شبيه ولا مثيل، ويجوز في كفوءاً ضم الفاء وإسكانها مع ضم الكاف. وقد قرئ بالوجهين ويجوز أيضاً كسر الكاف وإسكان الفاء، ويجوز كسر الكاف وفتح الفاء والمدّ ويجوز فيه الهمزة والتسهيل وانتصب كفواً على أنه خبر كان، وأحد اسمها، قال ابن عطية: ويجوز أن يكون كفواً حالها لكونه كان صفة للنكرة فقدم عليها، فإن قيل: لم قدَّم المجرور وهو له على أسم كان وخبرها، وشأن الظرف إذا وقع غير خبر أن يؤخر؟ فالجواب: من وجهين: أحدهما: أنه قدم للاعتناء به والتعظيم، لأنه ضمير الله تعالى وشأن العرب تقديم ما هو أهم وأولى. والآخر: أن هذا المجرور به يتم معنى الخبر وتكمل فائدته، فنه ليس المقصود نفي الكفؤ مطلقاً إنما المقصود نفي الكفؤ عن الله تعالى، فلذلك اعتنى بهذا المجرور الذي يحرز هذا المعنى، فقدم.
فإن قيل: إن قوله: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} يقتضي نفي الولد والكفؤ فلم نص على ذلك بعده؟ فالجواب: أن هذا من التجريد، وهو تخصيص الشيء بالذكر بعد دخوله في عموم ما تقدم، كقوله تعالى: {وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال} [البقرة: 98] ويفعل ذلك لوجهين يصح كل واحد منهما هنا؛ أحدهما: الإعتناء، ولا شك أن نفي الولد والكفؤ عن الله ينبغي الاعتناء به للرد على من قال خلاف ذلك من الكفار. والآخر: الإيضاح والبيان، فإن دخول الشيء في ضمن العموم ليس كالنص عليه فنص على هذا بياناً، وإيضاحاً للمعنى ومبالغة في الرد على الكفار، وتأكيداً لإقامة الحجة عليهم.

.سورة الفلق:

.تفسير الآيات (1- 5):

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)}
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق} تقدم معنى أعوذ في التعوذ ومعنى رب اللغات والفاتحة، وفي الفلق ثلاثة أقوال: أنه الصبح ومنه فالق الإصباح قال الزمخشري: هو فعل بمعنى مفعول، الثاني: أنه كل ما يفلقه الله كفلق الأرض عن النبات والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر والأرحام عن الأولاد والحب والنوى وغير ذلك، الثالث: أنه جُبٌ في جهنم. وقد رُوي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} هذا عموم في جميع المخلوقات وشرهم أنواع كثيرة، أعاذنا الله منها. وما هنا موصلة أو موصوفة أو مصدرية {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} فيه سبعة أقوال، الأول: أنه الليل إذا أظلم ومنه قوله تعالى: {إلى غَسَقِ اليل} [الإسراء: 78] وهذا قول الأكثرين، وذلك ظلمة الليل ينتشر عندها أهل الشر من الأنس والجن، ولذلك قال في المثل: الليل أخفى للويل. الثاني: أنه القمر. خرَّج النسائي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى القمر فقال: يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب» ووقوبه هذا كسوفه، لأن وقب في كلام العرب يكون بمعنى الظلمة والسواد وبمعنى الدخول فالمعنى إذا دخل في الكسوف أو إذا أظلم به. الثالث: أنه الشمس إذا غربت والوقوب على هذا المعنى الظلمة أو الدخول. الرابع: أن الغاسق النهار إذا دخل في الليل، وهذا قريب من الذي قبله، الخامس: أن الغاسق سقوط الثريا وكانت الأسقام والطاعون تهيج عنده، وروي ن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: النجم هو الغاسق فيحتمل أن يريد الثريا السادس: قال الزمخشري: يجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيات ووقبه ضربه السابع: أنه إبليس حكى ذلك السهيلي {وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد} النفث شبه النفخ دون تفل وريق قاله ابن عطية، وقال الزمخشري: هو النفخ مع ريق وهذا النفث ضرب من السحر وهو: أن ينفث علىعقد تعقد في خيط أو نحوه على اسم مسحور فيضره ذلك، وحكى ابن عطية أنه حدثه ثقة أنه رأى عند بعض الناس بصحراء المغرب خيطاً أحمر قدعقدت فيه عقد على فُصْلان وهي أولاد الإبل فمنعها بذلك من رضاع أمهاتها، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه فرضع في الحين قال الزمخشري: إن في الاستعاذة من النفاثات ثلاثة أوجه: أحدها: أن يستعاذ من مثل عملهن وهو السحر، من ائتمن في ذلك. والثاني: أن يستعاذ من خداعهن للناس وفتنتهن والثالث: أن يستعاذ مما يصيب من الشر عند نفثهن. والنفاثات بناء مبالغة والموصوف محذوف تقديره: النساء النفاثات، والجماعة النفاثات، أو النفوس النفاثات، والأول أصح لأنه روي أنه إشارة إلى البنات لبيد من الأعصم اليهودي، وكنَّ ساحرات سحرن هن وأبوهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقدن له إحدى عشر عقدة، فأنزل الله المعوذتين إحدى عشر آية بعدد العقد وشفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن قيل: لم عرّف النفاثات بالألف واللام ونكر ما قبله وهو غاسق وما بعده وهو حاسد مع أن الجميع مستعاذ منه؟ فالجواب: أنه عرف النفاثات ليفيد العموم لأنه كل نفاثة شريرة بخلاف الغاسق والحاسد فإن شرهما في بعض دون بعض.
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} الحسد خُلُق مذموم طبعاً وشرعاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» وقال بعض العلماء: الحسد أول معصية عُصِيَ الله بها في السماء والأرض أما في السماء فحسد إبليس لآدم وأما في الأرض فقتل قابيل لأخيه هابيل بسبب الحسد، ثم إن الحسد على درجات. الأولى: أن يحب الإنسان زوال النعمة عن أخيه المسلم وإن كانت لا تنتقل إليه بل يكره إنعام الله على غيره ويتألم به. الثانية: أن يحب زوال تلك النعمة لرغبته فيها وجاء انتقالها إليه. الثالثة: أن يتمنى لنفسه مثل تلك النعمة من غير أن يحب زوالها عن غيره وهذا جائز وليس بحسد وإنما هو غبطة. والحاسد يضر نفسه ثلاث مضرات: أحدها: اكتساب الذنوب لأن الحسد حرام. الثانية: سوء الأدب مع الله تعالى، فإن حقيقة الحسد كراهية إنعام الله على عبده واعتراض على الله في فعله. الثالثة: تألم قلبه من كثرة همه وغمه. فنرغب إلى الله أن يجعلنا محسودين لا حاسدين، فإن المحسود في نعمة والحاسد في كرب ونقمة، والله در القائل:
وإني لأرحم حسَّادي لفرط ما ** ضمَّت صدورهمُ من الأوغار

نظروا صنيع الله بي فعيونهم ** في جنة وقلوبهم في نار

وقال آخر:
إن يحسدوني فإني غيرُ لائمهم ** قبلي من الناس أهلَ الفضل قد حسدوا

فدام لي ولهم ما بي وما بِهمُ ** وماتَ أكثرنا غيضاً بما يجدُ

ثم إن الحسود لا تزال عداوته ولا تنفع مداراته وهو ظالم يشاكي كأنه مظلوم، ولقد صدق القائل:
كل العداوة قد ترجى إزالتها ** إلا عداوة من عاداك من حسد

وقال حكيم الشعراء:
وأظلم خلق الله من بات حاسداً ** لمن بات في نعمائه يتقلب

قال ابن عطية: قال بعض الحذاق: هذه السورة خمس آيات وهي مراد الناس بقولهم للحاسد الذي يخاف منه العين: الخمسة على عينك، فإن قيل: إذا وقب، وإذا حسد فقيد بإذا التي تقتضي تخصيص بعض الأوقات؟ فالجواب: أن شر الحاسد ومضرته إنما تقع إذا أمضى حسده، فحيئنذ يضر بقوله أو بفعله أو بإصابته بالعين، فإن عين الحسود قاتلة. وأما إذا لم يمض حسده ولم يتصرف بمقتضاه فشره ضعيف ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث لا ينجو منهم أحد: الحسد والظن والطيرة فمخرجه من الحسد أن لا يبقى ومخرجه من الظن أن لا يحقق ومخرجه من الطيرة ألا يرجع، فلهذا خصه بقوله إذا وقب، فإن قيل: إن قوله من شر ما خلق عموم يدخل تحته كل ما ذكر بعده فلأي شيء ذكر ما بعده؟ فالجواب: أن هذا من التجريد للاعتناء بالمذكور بعد العموم، ولقد تأكد ما ذكر في هذه السورة بعد العموم بسبب السحر الذي سحر اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدة حسدهم له.